لا أحد ينكر أهمية التطوع في تنمية المسؤولية الاجتماعية، وتحقيق الانتماء والتكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، وتنسيق الجهود المشتركة لاحتواء المشاكل، والمبادرة في حلها، وتعميم التجارب الناجحة، إلى جانب الإحساس بقيمة المشاركة في تلمس احتياجات ومعاناة البسطاء في الحي.

وعلى الرغم من أهمية التطوع كقيمة مجتمعية، إلاّ أنه لا يقل أهمية داخل الحي السكني، حيث يفترض أن يتم تشكيل فرق تطوعية في الحي تساهم في إصلاح ذات البين، وتقليل مظاهر العنف والمشاكل بين المراهقين، والتعاون مع الشرطة للحد من جرائم السرقة، والتبليغ عن المخالفين، ومواقع الاشتباه، ومرتاديها. تحقيق “الرياض” يناقش اليوم موضوع تفعيل العمل التطوعي مع شرطة الحي.

حاجة ماسة

الهدف: التبليغ عن المخالفين، إصلاح ذات البين، تلمس

في البداية، لفت “هاشم الهاشم” إلى أهمية العمل التطوعي وترسيخه في نفوس الناس، مبيّناً أنّ الأحياء السكنية تحتاج إلى متطوعين يساهمون في المحافظة على أمنها من كل عابث، مضيفاً: “الجهات الأمنية ترحب بمشاركة المواطن، وفتح خط مباشر وساخن معها لتزويدها بكل ما يقع في الحي من سلوكيات أو تصرفات سيئة، خصوصاً في المدن الكبيرة، وهو ما يحتم فتح باب التطوع داخل الحي، بشرط اختيار أشخاص مؤهلين إدارياً، وعلمياً، ونفسياً، ويتم وضع آليات عمل منظم وممنهج للتطوع، وليس فتح الباب على مصراعيه، إلى جانب تحديد المسؤوليات والصلاحيات لتكون واضحة وجلية للمتطوع، حتى لا تتداخل صلاحياته مع صلاحيات جهات أخرى”.

حل الخلافات

ورأى “عمر الخنين” -تربوي- أنّ العديد من المشاكل التي قد تنشأ داخل الحي تتطلب حلاً ودياً من قبل متطوعي الحي؛ لأنّ ذلك يعجل بحلها وعدم تطورها وعدم التعامل معها رسمياً وربما يعقّد إنهاءها، خصوصاً فيما يتعلق بخلافات الجوار، والمشاكل العائلية ومشاكل المراهقين، لأنّ وصولها للجهات الرسمية سوف يعقدها ويورث الأحقاد والكراهية بين أفراد الحي، مضيفاً أنّ العمل التطوعي مسؤولية اجتماعية وهذا ما أدركته وزارة التربية والتعليم عندما تبنت مشروع العمل التطوعي كإحدى مؤسسات المجتمع المدني وسعت لتنظيمه في الميدان التربوي، مشيداً بتجارب كثير من الأحياء التي تعاونت مع المدارس بتفعيل هذا المبدأ وتفاعلت معها الجهات الأمنية، حيث أكدت على ذلك الأستاذة نورة الفايز نائب وزير التربية والتعليم لتعليم البنات والمشرف العام على مشروع تنظيم العمل التطوعي.

استراتيجية أمنية

وأكّد “أحمد عبد العزيز الموسى” – نائب رئيس المجلس البلدي بمحافظة الزلفي – على أنّ الأمن مسؤولية الجميع والمواطن يعد رجل الأمن الأول، وتطوعه في مساعدة رجال الأمن داخل الأحياء يعدّ ضرورة ملحة وفي غاية الأهمية؛ لذا فالجميع مطالب بمشاركه حقيقية في تحمل مسؤولياته الأمنية داخل الحي الذي يقطن فيه، موضحاً أهمية مد جسور التعاون ما بين المواطن والمؤسسات

المحتاجين، تقليل مظاهر العنف، احتواء المراهقين

الأمنية، وفق إستراتيجية أمنية مبنية على أسس علمية تضمن مشاركة أفراد الحي الفاعلة مع مؤسسات المجتمع، مطالباً بضرورة إيجاد أنشطة وبرامج تسهم في تنمية الوعي الأمني داخل الحي، من خلال رسالة المسجد وخطب الجمعة، داعياً إلى إشراك أفراد الحي من الباحثين والمهتمين وكذلك المتقاعدون من رجال الأمن لدعم برامج الوقاية من الجريمة، والمساهمة في خدمة الحي، من خلال فتح باب التطوع.

قيمة التعاون

واعتبر “ياسر بن عبدالله البواردي” – إمام وخطيب جامع آل معمر بحي الازدهار بالرياض – من الجميل أن يتردد على أسماعنا مصطلح “المتطوعين”، ويسعد بهم جميع المجتمعات حتى الغربية؛ لأنّهم وبحق يبثون إلى الروح الأمان ولا عجب في ذلك، فديننا الحنيف هو الذي هذب هذا السلوك الموجود منذ خلق الإنسانية، متسائلاً: هل نسينا قصة “ذي القرنين” لما بنى السد؟، وهل نسينا “الخضر” صاحب “موسى” – عليه السلام – لما بنى الجدار لليتيمين في المدينة؟، وهل نسينا “موسى” – عليه السلام – لما سقى للمرأتين من البئر؟، إن ذلك كله أعمال تطوعية، بل إنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أوصى بالأعمال التطوعية وقال في حديثه: (تعدل بين اثنين صدقة، تعين الرجل في دابته صدقة، الكلمة الطيبة صدقة إماطة الأذى عن الطرق صدقة تعزل شوكة أو تعزل عظما صدقة)، وكذا جعل المرأة التي تقمّ المسجد مثالاً يحتذى، حيث قال – صلى الله عليه وسلم -: “دلوني على قبرها”، متسائلاً: “لماذا لا نفعل هذا الخلق النبيل في نفوس أبنائنا؟، مطالباً بتفعيل دور الشباب داخل أحيائهم واستثمار طاقاتهم.

وقال: “لقد أعجبني ما رأيت في لجان التنمية من تنظيم برامج تطوعية كثيرة تصب في صالح الحي السكني، مدعمةً بجهود المسؤولين في الحي وأئمة المساجد، حيث لا يقتصر العمل التطوعي داخل الحي لفئة الشباب فقط، بل حتى من غيرهم نساء ورجالاً، فكم من مشكلة في الحي أو جريمة اكتشفت، وكم من فقير أو محتاج عُلم عنه بسبب هذا التعاون الجميل”، مؤكداً على أنّ من أهم المهمات التكاتف الأمني المكثّف بين المواطن والجهات الأمنية، وأن يملك الشجاعة في الإبلاغ، وأن يتطوع في الذهاب إلى الجهة المختصة للإدلاء ببلاغه رسمياً، أو تسجيل بلاغه الكترونياً في المواقع الرسمية التابعة لتلك الجهات، فكم من منكر أزيل؟، وكم من جريمة أُكتشفت بسبب تعاون المواطن، والله امتدح المتطوعين بقوله سبحانه: (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)، وقوله (والله يحب المحسنين).

الشرطة المجتمعية

وقال “د.علي بن سعيد القحطاني” -أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد بجامعة الإمام وكيل عمادة شؤون الطلاب-: إنّ العمل التطوعي من الأعمال الجليلة التي يقدمها أفراد المجتمع بدون مقابل مادي، وهذا العمل الجليل يحتاج تكاملاً بين جهود المؤسسات الاجتماعية وعلى رأسها وسائل الإعلام، والأسرة، والمسجد؛ لتوضيح فكرة العمل التطوعي، وإقناع المجتمع والمؤسسات الحكومية بأهميته، فالعمل التطوعي ينمي الولاء للوطن والمجتمع؛ مما يزيد من تفاني أفراد المجتمع لخدمة وطنهم ومجتمعهم، كما أنّ العمل التطوعي يساعد أفراد المجتمع في قضاء أوقات فراغهم فيما ينفعهم، ويحقق أهداف وطنهم، ويدعم جهود حكوماتهم ويسهم في رفع مستوى الخدمات الاجتماعية، وتحقيق الأمن والوقاية من وقوع الجريمة، مقترحاً إنشاء جهة حكومية تعنى بالأعمال التطوعية تحدد أهدافها، وأنشطتها، وأنظمتها، ولوائحها بما يتفق مع أنظمة ولوائح الدولة، وتنشئ مراكز معلوماتية تعنى بالعمل التطوعي، مبيّناً أنّ الشرطة المجتمعية التي تعنى بالأمن في الأحياء من أهم مجالات العمل التطوعي، حيث تتعاون مع عمدة الحي ووجهائه وأعيانه؛ للحفاظ على أمن الحي والوقاية من وقوع الجريمة بالتنسيق مع الشرطة النظامية، وفق آلية تقنية تسهل سرعة التواصل بين الشرطة الحكومية والتطوعية لتحقيق الأمن والطمأنينة.

دور العُمدة

وأضاف “مثيب بن ابراهيم الزيادي” -عمدة حي الملز- أنّ فكرة العمل التطوعي ناجحة ولكن مازالت بحاجة إلى تثقيف وتوعية، وهذا لن يقلل من دور العمدة في الحي، فهو بمثابة مشرف اجتماعي وأمني على الحي وساكنيه، خاصةً في مجال التعريف بالساكن ومقر سكنه، والمصادقة على الأوراق الرسمية، والإبلاغ عن أي ملحوظات أمنية بالحي، كما أنّه يساهم بالتبليغ عن أصحاب السلوكيات المنحرفة، ومرافقة رجال الأمن في كثير من القضايا التي تتطلب معرفة دقيقة بأمور الحي وساكنيه، وكثير من أعمال العمد ينطبق عليها التطوع وابتغاء الأجر من الله -عزّ وجل-.

وأشار إلى أنّ الجهات المسؤولة عن العُمد تسعى دائماً لتطوير أعمالها أولاً بأول، فهم يلعبون دوراً كبيراً في إصلاح ذات البين بين الأهالي أو أصحاب الشكاوى وحل المشكلات، ولكن للأسف هناك من يغفل دور عُمد الأحياء في حل كثير من المشكلات التي تقع داخلها، مرحباً بالعمل التطوعي الأمني، معتبراً أنّ هذا لا يدل على ضعف المؤسسات الأمنية، بل يدعمها بكوادر مختلفة الثقافات، وهذا بمثابة توجيه رسالة إلى من يريد أن يعبثون بالأمن داخل الأحياء بأنّ رجل الأمن والمواطن يد واحدة بمواجهتهم، مطالباً بضرورة إخضاع منتسبي العمل التطوعي إلى دورات تدريبية لكي يكون عملهم مسانداً لرجال الأمن وليس تداخلاً مع مسؤولياته، حتى يتمكنوا من خلق تعاون مثمر مع الجهات الأمنية والعمد، للوقوف بوجه كل من تسول له نفسه مخالفة النظام.

تجربة حي النظيم

وقد أسس أهالي حي “النظيم” المجلس التطوعي بالحي؛ بهدف التعاون بين أبناء الحي أنفسهم، وتفعيل دور الأسرة والمدرسة والمسجد في تحقيق ذلك، حيث يشترك أهالي الحي مع الشرطة في ضبط الأمن بالحي، كما تم تأسيس منتدى الكتروني خاص بالمجلس؛ لنشر كافة النشاطات، كذلك فتح باب المشاركة من خلاله مواطني الحي.

وأشاد العقيد “د.مساعد المرشدي” -مدير مركز شرطة النظيم- بالترابط بين أهالي حي النظيم، وتفاعلهم مع الجهات الأمنية، وتكامل دور المسجد والأسرة والمدرسة، من خلال الفعاليات والمناشط التي تنمي طاقة الشباب وتستثمرها فيما هو مفيد، مبيّناً أنّه في آخر جلسة عُقدت بمجلس الحي عرض المواطن “فيصل معاش” -عضو المجلس التطوعي- عددٌ من مقترحات أهالي الحي لمعالجة بعض السلبيات مثل؛ التفحيط، وقلّة الدوريات الأمنية عند المدارس، وإجراءات تلقي البلاغات نتيجة وجود مضاربات أو تفحيط خارج المدرسة، وبقاء المحال والتموينات التي يجتمع عندها الشباب إلى أوقات متأخرة من الليل، بالإضافة إلى مشاكل العمالة السائبة التي تهدد أمن الحي، وازدحام الشاحنات والطريق المؤدي إليه.

مصدر الخبر : جريدة الرياض

https://www.alriyadh.com/816032

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *